فصل: باب حد الشرب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ***


باب الشهادة على الزنا والرجوع عنها

تقدم أن الزنا يثبت بالإقرار والبينة، وقدم كيفية ثبوته بالأول؛ لأن الثاني أندر نادر لضيق شروطه‏.‏ وأيضا لم يثبت عنده صلى الله عليه وسلم ولا عند أصحابه بعده إلا بالإقرار كما في الفتح ‏(‏قوله شهدوا بحد متقادم‏)‏ أي بسبب حد؛ لأنه المشهود به لا نفس الحد‏.‏ ا هـ‏.‏ ح أي ففي التعبير تساهل كما في الفتح ‏(‏قوله للتهمة‏)‏؛ لأن الشاهد مخير بين أداء الشهادة والستر، فالتأخير إن كان لاختيار الستر فالإقدام على الأداء بعده لعداوة حركته فيتهم فيها وإن كان لا للستر يصير فاسقا آثما فتيقنا بالمانع، بخلاف الإقرار؛ لأن الإنسان لا يعادي نفسه هداية‏.‏ وأورد على قوله يصير فاسقا بأن ذلك لو كان الأداء واجبا وليس كذلك، إلا أن يجاب بأن سقوط الوجوب لأجل الستر فإذا أدى لم يوجد موضع الرخصة المسقطة للوجوب تأمل ‏(‏قوله إذ فيه حق العبد إلخ‏)‏ أي وإن كان الغالب فيه حق الله تعالى‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏.‏ قال في الهداية‏:‏ فحد الزنا والشرب والسرقة خالص حقه تعالى حتى يصح الرجوع عنها بعد الإقرار فيكون التقادم فيه مانعا‏.‏ وحد القذف فيه حق العبد لما فيه من دفع العار عنه ولهذا لا يصح رجوعه بعد الإقرار والتقادم غير مانع في حقوق العباد ولأن الدعوى فيه شرط، فيحمل تأخيرهم على انعدام الدعوى فلا يوجب تفسيقهم بخلاف السرقة؛ لأن الدعوى ليست بشرط للحد؛ لأنه خالص حقه تعالى على ما مر وإنما تشترط للمال هداية، وحاصله أن في السرقة أمرين الحد والمال، وإنما تشترط الدعوى للزوم المال لا للزوم الحد، ولذا ثبت المال بها بعد التقادم؛ لأنه لا يبطل به، بخلاف الحد ‏(‏قوله ويضمن المال إلخ‏)‏ عطف على قوله لم تقبل‏.‏ قال في البحر‏:‏ وقولهم بضمان المال مع تصريحهم بوجود التهمة في شهادتهم مع التقادم مشكل؛ لأنه لا شهادة للمتهم ولو بالمال، إلا أن يقال إنها غير محققة، وإنما الموجود الشبهة ا هـ‏.‏ أي إنما سقط الحد لاحتمال العداوة، وذلك غير محقق لكنه يصير شبهة يسقط بها الحد دون المال ‏(‏قوله؛ لأنه حق العبد‏)‏ ولأن تأخير الشهادة لتأخير الدعوى لا يوجب فسقا، وينبغي أنهم لو أخروا الشهادة لا لتأخير الدعوى أن لا تقبل في حق المال أيضا كما في الفتح نهر ‏(‏قوله لانتفاء التهمة‏)‏؛ لأن الإنسان لا يعادي نفسه كما مر ‏(‏قوله إلا في الشرب‏)‏ فإن التقادم فيه يبطل الإقرار عند أبي حنيفة وأبي يوسف بحر عن غاية البيان، وأما عند محمد فلا يبطله وسيجيء تصحيحه في بابه ‏(‏قوله هو الأصح‏)‏ اعلم أن التقادم عند الإمام مفوض إلى رأي القاضي في كل عصر، لكن الأصح ما عن محمد أنه مقدر بشهر، وهو مروي عنهما أيضا‏.‏ وقد اعتبره محمد في شرب الخمر أيضا‏.‏ وعندهما هو مقدر بزوال الرائحة وجزم به في الكنز في بابه، فظاهره كغيره أنه المختار‏.‏ فعلم أن الأصح اعتبار الشهر إلا في الشرب بحر، وبه ظهر أن ما ذكره المصنف ليس قول محمد على إطلاقه بل هو ماش على قولهما في الشرب‏.‏ وعلى قول محمد في غيره فافهم‏.‏

‏(‏قوله وقيل لا‏)‏ أقول هذا هو المذهب؛ لأنه هو المذكور في كافي الحاكم الشهيد، حيث قال‏:‏ وإذا شهد الشهود على رجل بزنا قديم لم آخذ بشهادتهم ولا أحدهم ا هـ‏.‏ ولذا قال الكرخي إنه الظاهر‏:‏ أي ظاهر الرواية وعلله في العناية بأن عددهم متكامل وأهلية الشهادة موجودة وذلك يمنع أن يكون كلامهم قذفا

‏(‏قوله بغائبة‏)‏ أي والشهود يعرفونها، إذ لا حد عليه بعدم معرفتها كما يأتي شرنبلالية ‏(‏قوله ولو على سرقة‏)‏ مثله القذف كما يشير إليه تعليله ح ‏(‏قوله لشرطية الدعوى إلخ‏)‏ أي أنها شرط للعمل بالبينة؛ لأن الشهادة بالسرقة تتضمن الشهادة بملك المسروق للمسروق منه فلا تقبل بلا دعوى، وليست شرطا لثبوت الزنا عند القاضي ولا يقال‏:‏ يحتمل أن الغائبة لو حضرت تدعي النكاح فيسقط الحد‏.‏؛ لأنا نقول دعواها النكاح شبهة واحتمال دعواها ذلك شبهة الشبهة فلا تعتبر وإلا أدى إلى نفي كل حد؛ لأن ثبوته بالبينة أو الإقرار ويحتمل أن يرجع المقر أو الشهود وذلك لا يعتبر؛ لأن نفس هذا الرجوع شبهة واحتماله شبهة الشبهة أفاده في الفتح ‏(‏قوله حد‏)‏؛ لأنه لا يخفى عليه من له فيها شبهة فإنه كما لا يقر على نفسه كاذبا لا يقر على نفسه حال الاشتباه فلما أقر بالزنا كان فرع علمه أنها لم تشتبه عليه، وصار معنى قوله لم أعرفها أي باسمها ونسبها، ولكن علمت بأنها أجنبية، فكان هذا كالمنصوص عليه، بخلاف الشاهد فإنه يجوز أن يشهد على من تشتبه عليه فلا يكون قول الشاهد لا أعرفها موجبا للحد فتح

‏(‏قوله لاحتمال أنها امرأته أو أمته‏)‏ لو قال لاحتمال أن يكون له فيها شبهة لكان أعم‏.‏ ا هـ‏.‏ ح وفي كافي الحاكم‏:‏ و إن قال المشهود عليه إن التي رأوها معي ليست لي بامرأة ولا خادم لم يحد أيضا لتصور أن تكون أمة ابنه أو منكوحته نكاحا فاسدا بحر ‏(‏قوله كاختلافهم في طوعها‏)‏ بأن شهد اثنان أنه أكرهها وآخران أنها طاوعته لم يحدا عنده‏.‏ وقالا‏:‏ يحد الرجل لاتفاقهم على أنه زنى، وتفرد اثنان منهم بزيادة جناية وهي الإكراه وله أنه زناءان مختلفان لم يكمل في كل نصاب؛ لأن زناها طوعا غير مكرهة فلا حد ولأن الطوع يقتضي اشتراكهما في الفعل والكره يقتضي تفرده فكانا غيرين ولم يوجد في كل نصاب‏.‏ ثم إن اتفاق الشهود على النسبة إلى الزنا بلفظ الشهادة مخرج لكلامهم من أن يكون قذفا، وتمامه في الزيلعي ‏(‏قوله ولو على كل زنا أربعة‏)‏ راجع لقوله أو في البلد كما اقتضاه كلام الشراح في تصويرهم المسألة وتعليلهم بامتناع فعل واحد في ساعة واحدة في مكانين متباينين فتيقنا بكذب أحد الفريقين وظاهره أنه لو شهد أربعة بالطوع وأربعة بالإكراه يحدان و به جزم محشي مسكين معللا بعدم التيقن بكذب أحد الفريقين حيث لم يذكروا وقتا واحدا وجزم ح بأن لا حد لما مر أول الباب السابق من أن الحد يسقط في دعوى الإكراه إذا برهن‏.‏ قال‏:‏ ومعلوم أن ذلك بعد ثبوت الحد عليه بالبينة والبينة المثبتة للحد لا بد وأن تشهد بالطوع‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ هذا إنما يظهر إذ ذكروا وقتا واحدا وإلا فيمكن حمله على فعلين أحدهما بالإكراه والآخر بالطوع وأما ما مر في الباب السابق فهو فيما إذا شهد أربعة على زناه طوعا وأقام شاهدين على الإكراه في ذلك الفعل بعينه لا مطلقا فيندرئ الحد عنه للشبهة فافهم، والله سبحانه أعلم‏.‏ ‏(‏قوله وإلا‏)‏ بأن اتحد الوقت وتقارب المكانان أو اختلف الوقت وتباعد المكانان، أو تقاربا ح ‏(‏وقوله في زاويتي بيت‏)‏ أي جانبيه ‏(‏قوله لإمكان التوفيق‏)‏ بأن يكون ابتداء الفعل في زاوية والانتهاء في أخرى بالاضطراب والحركة بحر‏.‏ لا يقال‏:‏ هذا توفيق لإقامة الحد والواجب درؤه بأن التوفيق مشروع صيانة للقضاء عن التعطيل إذ لو شهد أربعة قبلوا مع احتمال شهادة كل منهم في وقت آخر، وقبولهم مبني على الاتحاد وإن لم ينصوا عليه، أفاده في الفتح

‏(‏قوله ولكن هي بكر‏)‏ إقحام الشارح لفظة لكن غير ظاهر؛ لأن الواو في كلام المصنف واو الحال والجملة حالية، وكذا قوله بعده ولكن هم عميان كما أفاده ط ‏(‏قوله لم يحد أحد‏)‏ أي من الشهود والمشهود عليهما في المسائل الثلاث‏.‏ أما الأولى فلأن الزنا لا يتحقق مع بقاء البكارة ونحوه فلا يحدان لظهور الكذب، ولا الشهود؛ لأن ثبوت البكارة ونحوها بقول امرأة أو أكثر حجة في إسقاط الحد لا في إيجابه‏.‏ وأما الثانية فلم يحد لاشتراط العدالة لثبوت الزنا ولا الشهود سواء علم فسقهم في الابتداء أو ظهر بعده؛ لأن الفاسق من أهل الأداء والتحمل وإن كان في أدائه نوع قصور لتهمة الفسق، ولذا لو قضى بشهادته ينفذ عندنا فيثبت بشهادتهم شبهة الزنا فسقط الحد عنهم‏.‏ ولذا لا يحد القاذف لو أقام أربعة من الفساق على زنا المقذوف‏.‏ وأما الثالثة فلأن الشهادة على الشهادة لا تجوز في الحدود لزيادة الشبهة باحتمال الكذب في موضعين في الأصول وفي الفروع، ولا يحد الفروع؛ لأن الحاكي للقذف غير قاذف وكذا الأصول بالأولى، ولو شهدوا بعد الفروع لرد شهادتهم من وجه يرد شهادة الفروع ا هـ‏.‏ ملخصا من البحر ‏(‏قوله فوجد مجبوبا‏)‏ وجه عدم حد الشهود فيه يؤخذ مما عللوا به أيضا في البكارة والرتق وهو تكامل عددهم ولفظ الشهادة، ثم رأيته كذلك في الدرر فافهم‏.‏ وأيضا سيأتي أن المجبوب لا حد على قاذفه و به علل المسألة هنا الحاكم في الكافي

‏(‏قوله عميان‏)‏ أي أو عبيد أو صبيان أو مجانين أو كفار نهر ‏(‏قوله حدوا للقذف‏)‏ أي دون المشهود عليه لعدم أهلية الشهادة فيهم أو عدم النصاب فلا يثبت الزنا ‏(‏قوله وأرش جلده‏)‏ أي إذا كان جرحه الجلد كما في الهداية ‏(‏قوله خلافا لهما‏)‏ حيث قالا إن الأرش في بيت المال؛ لأنه ينتقل فعل الجلاد للقاضي وهو عامل للمسلمين فتجب الغرامة في مالهم‏.‏ وله أن الفعل الجارح لا ينتقل للقاضي؛ لأنه لم يأمر به فيقتصر على الجلاد إلا أنه لا يجب عليه الضمان في الصحيح كي لا يمتنع الناس عن الإقامة مخافة الغرامة ابن كمال‏.‏ وعلى هذا الخلاف إذا رجع الشهود لا يضمنون عنده‏.‏ وعندهما يضمنون، وتمامه في الهداية والنهر‏.‏ وفي العزمية عن بعض شروح الهداية‏:‏ ومعرفة الأرش أن يقوم المحدود عبدا سليما من هذا الأثر فينظر ما ينقص به القيمة ينقص من الدية بمثله‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ لكن قوله ينقص من الدية بمثله لا محل له، بل الظاهر أن يقال فينظر ما ينقص به القيمة يؤخذ من الشهود‏.‏ وبيانه أنه لو فرض أن قيمته سليما ألف وقيمته بهذه الجراحة تسعمائة تكون الجراحة نقصته مائة هي الأرش فيرجع على الشهود بها ‏(‏قوله فقط‏)‏ قيد لقوله يحد من رجع أي يحد الراجع فقط حد القذف دون الباقين لبقاء شهادتهم ‏(‏قوله وغرم ربع الدية‏)‏؛ لأن التالف بشهادته ربع الحق، وكذا لو رجع الكل حدوا وغرموا الدية نهر، وقول البحر وغرموا ربع الدية صوابه جميع الدية كما قاله الرملي ‏(‏قوله وإن رجع قبله‏)‏ أي الرجم سواء كان قبل القضاء أو بعده نهر ‏(‏قوله حدوا للقذف‏)‏ أي حد الشهود كلهم‏.‏ أما إذا كان قبل القضاء فهو قول علمائنا الثلاثة؛ لأنهم صاروا قذفة‏.‏ وأما بعده فهو قولهما‏.‏ وقال محمد‏:‏ يحد الراجع فقط؛ لأن الشهادة تأكدت بالقضاء فلا تنفسخ إلا في حق الراجع‏.‏ ولهما أن الإمضاء من القضاء، ولذا سقط الحد عن المشهود عليه نهر ‏(‏قوله؛ لأن الإمضاء إلخ‏)‏ هذا التعليل فيما إذا كان الرجوع بعد القضاء واقتصر عليه لعدم الخلاف عند الثلاثة فيما قبله فافهم‏.‏ ومعناه أن إمضاء الحد من تمام القضاء به‏.‏ وثمرته تظهر أيضا فيما إذا اعترضت أسباب الجرح أو سقوط إحصان المقذوف أو عزل القاضي كما في المعراج‏.‏

‏(‏قوله حدا وغرما ربع الدية‏)‏ أما الحد فلانفساخ القضاء بالرجم في حقهما‏.‏ وأما الغرم فلأن المعتبر بقاء من بقي لا رجوع من رجع‏.‏ وقد بقي من يبقى ببقائه ثلاثة أرباع الدية فيلزمهما الربع‏.‏ فإن قيل الأول منهما حين رجع لم يلزمه شيء فكيف يجتمع عليه الحد والضمان بعد ذلك برجوع غيره‏.‏ قلنا وجد منه الموجب للحد والضمان وهو قذفه وإتلافه بشهادته، وإنما امتنع الوجوب لمانع وهو بقاء من يقوم بالحق فإذا زال المانع برجوع الثاني ظهر الوجوب ح عن الزيلعي ‏(‏قوله ولو رجع الثالث ضمن الربع‏)‏ وكذا الثاني والأول بحر عن الحاوي القدسي ‏(‏قوله ولو رجع الخمسة‏)‏ أي معا لا مرتبا

‏(‏قوله وضمن المزكي‏)‏ أفرده؛ لأنه لا يشترط العدد في التزكية كما في الفتح‏:‏ أي ضمن من زكى شهود الزنا إذا رجع عن التزكية وتؤخذ الدية من ماله لا من بيت المال خلافا لهما؛ لأن الشهادة إنما تصير حجة بالتزكية فكانت في معنى علة العلة فيضاف الحكم إليها بخلاف شهود الإحصان إذا رجعوا؛ لأنه محض الشرط ‏(‏قوله إن ظهروا‏)‏ أي شهود الزنا ‏(‏قوله عبيدا أو كفارا‏)‏ بيان لقوله غير أهل أشار به إلى أن المراد به كونهم غير أهل للأداء وإن كانوا أهلا للتحمل ‏(‏قوله وهذا إلخ‏)‏ تورك على المصنف حيث ترك كالكنز قيد الرجوع أخذا بظاهر كلام المنظومة، وقد حقق المقام في الفتح فراجعه ‏(‏قوله بحرية الشهود وإسلامهم‏)‏ أي وعدالتهم وقيد بالإخبار بذلك ليكون تزكية سواء كان بلفظ الشهادة أو بلفظ الإخبار؛ لأنه لو أخبر بأنهم عدول ثم ظهروا عبيدا لم يضمن اتفاقا؛ لأنها ليست تزكية والقاضي قد أخطأ حيث اكتفى بهذا القدر بحر ‏(‏قوله وإلا‏)‏ أي وإن لم يرجع بل استمر على تزكيته قائلا هم أحرار مسلمون، وكذا لو قال أخطأت فتح ‏(‏قوله ولا يحدون‏)‏ أي الشهود، وكذا لا يضمنون بحر ‏(‏قوله؛ لأنه لا يورث‏)‏؛ لأنهم قذفوا حيا وقد مات فلا يورث كما في الفتح‏.‏ قلت‏:‏ ولا يرد عليه المسألة المتقدمة، وهي ما إذا رجع أحد الأربعة بعد الرجم لما مر من انقلاب شهادته بالرجوع قذفا‏:‏ أي؛ لأنها حين وقعت كانت معتبرة شهادة ثم انفسخت فصارت قذفا للحال كما حققه في الفتح هناك ‏(‏قوله كما لو قتل، إلخ‏)‏ هكذا عبر في الدرر‏.‏ واعترض بأنه يوهم أن الضامن هو المزكى وليس كذلك بل هو القاتل، فالتشبيه بين الضمانين فقط لا مع ما أسند إليهما‏.‏ والأوضح قول الوقاية ضمن الدية من قتل المأمور برجمه أو زكى شهود زناه فظهروا عبيدا أو كفارا‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله بعد التزكية‏)‏ قيد به؛ لأن المراد بالأمر هو الكامل، وهو أن يكون بعد استيفاء ما لا بد منه‏.‏ نهر و يأتي محترزه ‏(‏قوله فظهروا كذلك‏)‏ أما لو لم يظهروا كذلك فلا شيء على القاتل، لكنه يعزر لافتياته على الإمام بحر عن الفتح، وقدمه الشارح أول الحدود عن النهر بحثا ‏(‏قوله غير أهل‏)‏ بدل من قوله كذلك ‏(‏قوله يضمن الدية‏)‏ أي في ماله؛ لأنه عمد والعاقلة لا تعقل العمد، وتجب في ثلاث سنين؛ لأنه وجب بنفس القتل فيجب مؤجلا كالدية فتح ‏(‏قوله استحسانا‏)‏ والقياس وجوب القصاص؛ لأنه قتل نفسا محقونة الدم عمدا بفعل لم يؤمر به، إذ المأمور به الرجم فلا يصير فعله منقولا إلى القضاء ‏(‏قوله لشبهة صحة القضاء‏)‏ أي ظاهرا؛ لأنه حين قتله كان القضاء بالرجم صحيحا ظاهرا فأورث شبهة الإباحة ‏(‏قوله قبل الأمر‏)‏ أي قبل القضاء بالرجم كما عبر في الفتح؛ لأن المراد بالأمر الكامل كما مر ‏(‏قوله أو بعده‏)‏ أي بعد الأمر قبل التزكية خطأ من القاضي بحر ‏(‏قوله اقتص منه‏)‏ أي في العمد ووجب في الخطأ الدية على عاقلته في ثلاث سنين بحر ‏(‏قوله كما يقتص إلخ‏)‏ التشبيه، من حيث وجوب القصاص فقط‏.‏ وأفاد الفرق بين المسألتين من حيث وجوب القصاص هنا وإن لم يظهر الشهود عبيدا، وذلك أن المقضي بقتله قصاصا حق الاستيفاء منه للولي، بخلاف المقضي برجمه ‏(‏قوله زيلعي من الردة‏)‏ أي من باب الردة وهذا العزو كذلك وقع في البحر، وعزاه في النهر إلى الزيلعي من الدية‏.‏

‏(‏قوله وإن رجم‏)‏ بالبناء للمفعول‏:‏ أي من أمر القاضي برجمه لو رجمه أحد ‏(‏قوله فديته في بيت المال‏)‏ قال في البحر‏:‏ لم أر هل الدية تؤخذ حالا أو مؤجلة ‏(‏قوله فنقل فعله إليه‏)‏ أي إلى الإمام؛ لأن الراجم فعل ما أمره به وقد ظهر عدم صحة الأمر فنقل فعله إلى الإمام وهو عامل للمسلمين فتجب الغرامة في مالهم، بخلاف ما إذا قتله بغير الرجم؛ لأنه لم يأتمر أمره فلم ينقل فعله إليه كما أفاده في الفتح

مطلب المواضع التي يحل فيها النظر إلى عورة الأجنبي

‏(‏قوله لإباحته لتحمل الشهادة‏)‏ ومثله نظر القابلة والخافضة والختان والطبيب وزاد في الخلاصة‏:‏ من مواضع حل النظر للعورة عند الحاجة الاحتقان والبكارة في العنة والرد بالعيب فتح‏.‏ قلت‏:‏ وكذا لو ادعى الزاني بكارتها، ونظمتها بقولي‏:‏ ولا تنظر لعورة أجنبي بلا عذر كقابلة طبيب وختان وخافضة وحقن شهود زنا بلا قصد مريب وعلم بكارة في عنة أو زنا أو حين رد للمعيب

‏(‏قوله وإن أنكر الإحصان‏)‏ أي استجماع شرائطه المتقدمة، كأن أنكر النكاح والدخول فيه والحرية ‏(‏قوله فشهد عليه رجل وامرأتان‏)‏ أشار به إلى أنه يقبل شهادة النساء في الإحصان عندنا، وفيه خلاف زفر والأئمة الثلاثة‏.‏ وكيفية الشهادة به أن يقول الشهود تزوج امرأة وجامعها أو باضعها‏.‏ لو قالوا دخل بها يكفي عندهما؛ لأنه متى أضيف إلى المرأة بحرف الباء يراد به الجماع‏.‏ وقال محمد‏:‏ لا يكفي، وتمامه في الزيلعي والفتح ‏(‏قوله أو ولدت زوجته منه‏)‏ أي إذا ولدت في مدة يتصور أن يكون منه جعل واطئا شرعا؛ لأن الحكم بثبوت النسب منه حكم بالدخول بها ولهذا يعقب الرجعة زيلعي‏.‏ قلت‏:‏ ظاهره ثبوت الإحصان ولو كان ثبوت النسب بحكم الفراش كتزوج مشرقي بمغربية، وفيه نظر، لكن في الفتح أن الفرض أنهما مقران بالولد ومثله في شرح الشلبي تأمل ‏(‏قوله قبل الزنا‏)‏ متعلق بولدت‏.‏ والظاهر أنه غير قيد كما يعلم من تعليل الزيلعي المذكور آنفا، حتى لو ولدت بعد الزنا لدون ستة أشهر يثبت نسبه ويعلم أنه وقت الزنا كان واطئا لزوجته تأمل ‏(‏قوله فهو محصن بإقراره‏)‏ أي مؤاخذة له بإقراره، فلا يقال إنها بإنكارها الوطء لم تصر محصنة فلا يكون هو محصنا أيضا ‏(‏قوله وبه استغنى إلخ‏)‏ وجه الاستغناء أنه إذا كان أحدهما محصنا دون الآخر علم أن كل واحد منهما إذا زنى يحد بما يستوجبه، فالمحصن يرجم وغيره يجلد كما أفاد التفريع، نعم ما في بعض النسخ أعم؛ لأنه يشمل ما لو كان عدم إحصان أحدهما ببكارته، ولعله أشار إلى هذا بقوله فتأمل‏.‏ لا يقال‏:‏ ما في بعض النسخ غير صحيح كما توهم؛ لأن شرط الرجم إحصان كل ولم يوجد‏.‏؛ لأنا نقول شرط الرجم إحصان كل من الزوجين لا الزانيين، فيرجم من زنى بامرأة إذا كان فيه شروط الإحصان التي منها دخوله بامرأة محصنة مثله‏.‏ وأما المرأة المزني بها فلا يشترط لرجمه أن تكون محصنة بل إحصانها شرط لرجمها هي، فإن كانت محصنة مثله رجمت معه وإلا جلدت، وهذا ظاهر نبهنا عليه عند الإحصان أيضا فافهم‏.‏ والحاصل أن الزانيين إما محصنان فيرجمان، أو غير محصنين فيجلدان، أو مختلفان فيرجم المحصن ويجلد غيره

‏(‏قوله لشبهة الخلاف‏)‏ أي خلاف العلماء والأخبار في صحته فلم تكن صحته قطعية، وهذه المسألة نقلها في البحر عن المحيط كذلك فيحتمل أن يكون إسنادها إلى أبي يوسف لكونه هو الذي خرجها لا لكون غيره قائلا بخلافه، ويحتمل أن يكون فيها خلافهما، والأول أظهر لعدم ذكر المخالف تأمل، والله سبحانه أعلم‏.‏

باب حد الشرب

أخره عن الزنا؛ لأن الزنا أقبح منه وأغلظ عقوبة، وقدمه على حد القذف لتيقن الجريمة في الشارب دون القاذف لاحتمال صدقه، وتأخير حد السرقة؛ لأنه لصيانة الأموال التابعة للنفوس بحر ‏(‏قوله فلو ارتد فسكر إلخ‏)‏ أقول‏:‏ ذكر في الدر المنتقى أن المرتد لا يحد للشرب سواء شرب قبل ردته أو فيها فأسلم ا هـ‏.‏ ومثله في كافي الحاكم، وسيذكر الشارح في حد القذف عن السراجية لو اعتقد الذمي حرمة الخمر فهو كالمسلم أي فيحد ‏(‏قوله؛ لأنه لا يقام على الكفار‏)‏ يعني أنه لما شرب في ردته لم يكن أهلا لقيام حد الشرب عليه؛ لأنه لا يقام على الكفار، وإذا كان وقت الشرب غير موجب للحد لا يحد بعد الإسلام، بخلاف ما إذا زنى أو سرق ثم أسلم فإنه يحد له لوجوبه قبله كما يفيده ما في البحر عن الظهيرية فافهم ‏(‏قوله حد في الأصح‏)‏ أفتى به الحسن واستحسنه بعض المشايخ‏.‏ والمذهب أنه إذا شرب الخمر وسكر منه أنه لا يحد كما في النهر عن فتاوى قارئ الهداية، ومشى في المنظومة المحبية على الأول كما ذكره الشارح في الدر المنتقى‏.‏ قلت‏:‏ وعبارة الحاكم في الكافي من الأشربة‏:‏ ولا حد على الذمي في الشراب ا هـ‏.‏ ولم يحك فيه خلافا، وهو بإطلاقه يشمل ما لو سكر منه ‏(‏قوله لحرمة السكر في كل ملة‏)‏ هذا ذكره قارئ الهداية‏.‏ قلت‏:‏ ولي فيه نظر، فإن الخمر لم تكن محرمة في صدر الإسلام، وقد كان الصحابة يشربونها وربما سكروا منها كما جاء صريحا‏.‏ فمن ذلك ما في الفتح عن الترمذي عن علي رضي الله تعالى عنه ‏"‏ صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاما فدعانا وسقانا من الخمر فأخذت الخمر منا وحضرت الصلاة فقدموني فقرأت - قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون - ونحن نعبد ما تعبدون، قال‏:‏ فأنزل الله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى‏}‏ الآية ‏"‏ ا فلو كان السكر حراما لزم تفسيق الصحابة‏.‏ ثم رأيت في تحفة ابن حجر قال‏:‏ وشربها المسلمون أول الإسلام، قيل استصحابا لما كان قبل الإسلام والأصح أنه بوحي، ثم قيل المباح الشرب لا غيبة العقل؛ لأنه حرام في كل ملة‏.‏ وزيفه المصنف يعني النووي، وعليه فالمراد بقولهم بحرمته في كل ملة أنه باعتبار ما استقر عليه أمر ملتنا ا هـ‏.‏ وهذا مؤيد لما بحثته، لكن في جوابه الأخير نظر ‏(‏قوله فلا يحد أخرس‏)‏ سواء شهد الشهود عليه أو أشار بإشارته المعهودة‏.‏ وأفاد أن الأعمى يحد كما في البحر ‏(‏قوله للشبهة‏)‏؛ لأنه لو كان ناطقا يحتمل أن يخبر بما لا يحد به كإكراه أو غص بلقمة‏.‏ قال في البحر‏:‏ ولو قال المشهود عليه بشرب الخمر ظننتها لبنا أو لا أعلم أنها خمر لم يقبل، فإن قال ظننتها نبيذا قبل؛ لأنه بعد الغليان والشدة يشارك الخمر في الذوق والرائحة ‏(‏قوله طائع‏)‏ مكرر مع قول المتن طوعا ح ‏(‏قوله غير مضطر‏)‏ فلو شرب للعطش المهلك مقدار ما يرويه فسكر لم يحد؛ لأنه بأمر مباح‏.‏ وقالوا‏:‏ لو شرب مقداره وزيادة ولم يسكر حد كما في حالة الاختيار قهستاني، وبه صرح الحاكم في الكافي‏.‏ ‏(‏قوله شرب الخمر‏)‏ هي النيء من ماء العنب إذا غلا واشتد وقذف بالزبد، فإن لم يقذف فليس بخمر عند الإمام خلافا لهما، وبقولهما أخذ أبو حفص الكبير خانية ولو خلط بالماء، فإن كان مغلوبا حد، وإن كان الماء غالبا لا يحد إلا إذا سكر نهر‏.‏

مطلب في نجاسة العرق ووجوب الحد بشربه

وفي أشربة القهستاني‏:‏ من قال إنها لم تبق خمرا بالطبخ لم يحد شاربها إلا إذا سكر، وعلى هذا ينبغي أن لا يحد شارب العرق ما لم يسكر‏.‏ ومن قال إنها بقيت خمرا فالحكم عنده بالعكس، وإليه ذهب الإمام السرخسي وعليه الفتوى، كما في تتمة الفتاوى‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ علم بهذا أن المعتمد المفتى به أن العرق لم يخرج بالطبخ والتصعيد عن كونه خمرا فيحد بشرب قطرة منه وإن لم يسكر‏.‏ وأما إذا سكر منه فلا شبهة في وجوب الحد به، وقد صرح في منية المصلي بنجاسته أيضا فلا يغرنك ما أشاعه في زماننا بعض الفسقة المولعين بشربه من أنه طاهر حلال، كأنه قاله قياسا على ما قالوه في ماء الطابق‏:‏ أي الغطاء من زجاج ونحوه فإنه قياس فاسد؛ لأن ذاك فيما لو أخرقت نجاسة في بيت فأصاب ماء الطابق ثوب إنسان تنجس قياسا لا استحسانا، ومثله حمام فيها نجاسات فعرق حيطانها وكواتها وتقاطر، فإن الاستحسان فيها عدم النجاسة للضرورة لعدم إمكان التحرز عنه‏.‏ والقياس النجاسة لانعقاده من عين النجاسة‏.‏ ولا شك أن العرق المستقطر من الخمر هو عين الخمر تتصاعد مع الدخان وتقطر من الطابق بحيث لا يبقى منها إلا أجزاؤها الترابية ولذا يفعل القليل منه في الإسكار أضعاف ما يفعله كثير الخمر، بخلاف المتصاعد من أرض الحمام ونحوه فإنه ماء أصله طاهر خالط نجاسة مع احتمال أن المتصاعد نفس الماء الطاهر‏.‏ ويمكن أن يكون هذا وجه الاستحسان في طهارته، وعلى كل فلا ضرورة إلى استعمال العرق الصاعد من نفس الخمر النجسة العين ولا يطهر بذلك، وإلا لزم طهارة البول، ونحوه إذا استقطر في إناء ولا يقول به عاقل‏.‏ وقد طلب مني أن أعمل بذلك رسالة وفيما ذكرناه كفاية، ‏(‏قوله بلا قيد سكر‏)‏ تصريح بما أفاده قوله ولو قطرة إشارة إلى أن هذا هو المقصود من المبالغة للتفرقة بين الخمر وغيرها من باقي الأشربة وإلا فلا يحد بالقطرة الواحدة؛ لأن الشرط قيام الرائحة‏.‏ ومن شرب قطرة خمر لا يوجد منه رائحتها عادة، نعم يمكن الحد به على قول محمد الآتي من أنه لو أقر بالشرب لا يشترط قيام الرائحة، بخلاف ما إذا ثبت ذلك بالشهادة، هذا ما ظهر لي، ولم أر من تعرض له فتأمل‏.‏ ‏(‏قوله أو سكر من نبيذ ما‏)‏ أي من أي شراب كان غير خمر إذا شربه لا يحد به إلا إذا سكر به، وعبر بما المفيدة للتعميم إشارة إلى خلاف الزيلعي حيث خصه بالأنبذة الأربعة المحرمة بناء على قولهما‏.‏ وعند محمد ما أسكر كثيره فقليله حرام، وهو نجس أيضا قالوا‏:‏ وبقول محمد نأخذ‏.‏ وفي طلاق البزازية‏:‏ لو سكر من الأشربة المتخذة من الحبوب والعسل المختار في زماننا لزوم الحد ا هـ‏.‏ نهر قلت‏:‏ وما ذكره الزيلعي تبع فيه صاحب الهداية، لكنه في الهداية من الأشربة ذكر تصحيح قول محمد، فعلم أن ما مشى عليه هنا غير المختار كما في الفتح‏.‏ وقد حقق في الفتح قول محمد إن ما أسكر كثيره حرم قليله وأنه لا يلزم من حرمة قليله أنه يحد به بلا إسكار كالخمر خلافا للأئمة الثلاثة، وأن استدلالهم على الحد بقليله بحديث مسلم‏:‏ «كل مسكر خمر» وبقول عمر في البخاري ‏"‏ الخمر ما خامر العقل ‏"‏ وغير ذلك لا يدل على ذلك؛ لأنه محمول على التشبيه البليغ كزيد أسد والمراد به ثبوت الحرمة، ولا يلزم منه ثبوت الحد بلا إسكار، وكون التشبيه خلاف الأصل أوجب المصير إليه قيام الدليل عليه لغة وشرعا، ولا دليل لهم على ثبوت الحد بقليله سوى القياس ولا يثبت الحد به، نعم الثابت الحد بالسكر منه، وقد أطال في ذلك إطالة حسنة، فجزاه الله خيرا ويأتي حكم البنج والأفيون والحشيش ‏(‏قوله بكونه في دارنا‏)‏ أي ناشئا فيها ‏(‏قوله لما قالوا إلخ‏)‏ تعليل لتفسير العلم الحكمي بكونه في دارنا، لكن بالمعنى الذي ذكرناه لا بمجرد الكون في دارنا وإلا لم يوافق التعليل المعلل‏.‏ ويوضح المقام ما في كافي الحاكم الشهيد من الأشربة حيث قال‏:‏ وإذا أسلم الحربي وجاء إلى دار الإسلام ثم شرب الخمر قبل أن يعلم أنها محرمة عليه لم يحد، وإن زنى أو سرق أخذ بالحد ولم يعذر بقوله لم أعلم‏.‏ وأما المولود بدار الإسلام إذا شرب الخمر وهو بالغ فعليه الحد ولا يصدق أنه لم يعلم ‏(‏قوله قلت يرد عليه إلخ‏)‏ أي على ما يفهم من قولهم لحرمته أي الزنا في كل ملة حيث جعلوه وجه الفرق بين الشرب والزنا، فإنه يفهم منه أن الشرب لا يحرم في كل ملة مع أنه مناف لما مر من حرمته كذلك‏.‏ ودفع بأن المحرم في كل ملة هو السكر لا نفس الشرب، والمراد التفرقة بين الشرب والزنا‏.‏ قلت‏:‏ وفيه نظر، فإن قولهم فشارب الخمر جاهلا بالحرمة لا يحد أعم من أن يكون سكر من هذا الشرب أولا، بل المتبادر السكر، ولو كان المراد الشرب بلا سكر لكان الواجب تقييده، أو كان يقال فشرب قطرة نعم قد يدفع أصل الإيراد بمنع حرمة السكر في كل ملة لما قدمناه فافهم‏.‏

‏[‏تتمة‏]‏

لو شرب الحلال ثم دخل الحرم حد، لكن لو التجأ إلى الحرم لم يحد؛ لأنه قد عظمه، بخلاف ما إذا شرب في الحرم؛ لأنه قد استخفه قهستاني عن العمادي، ويأتي أنه لو شرب في دار الحرب لا يحد‏.‏ فعلم من مجموع ذلك أنه لا يحد للشرب عشرة‏:‏ ذمي على المذهب، ومرتد وإن شرب قبل ردته وإن أسلم بعد الشرب وصبي، ومجنون وأخرس ومكره، ومضطر لعطش مهلك، وملتجئ إلى الحرم، وجاهل بالحرمة حقيقة وحكما، ومن شرب في غير دارنا، وبه يعلم شروط الحد هنا ‏(‏قوله بعد الإفاقة‏)‏ أي الصحو من السكر، وهو متعلق بقوله يحد مسلم ‏(‏قوله فظاهره أنه يعاد‏)‏ جزم به في البحر‏.‏ قال في الشرنبلالي ة‏:‏ وفيه تأمل ا هـ‏.‏ وبين وجهه فيما نقل عنه بأن الألم حاصل وإن لم يكن كاملا ويصدق عليه أنه حد فلا يعاد بعد صحوه‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وفيه نظر، لما في الفتح‏:‏ ولا يحد السكران حتى يزول عنه السكر تحصيلا لمقصود الانزجار وهذا بإجماع الأئمة الأربعة؛ لأن غيبوبة العقل أو غلبة الطرب تخفف الألم‏.‏ ثم ذكر حكاية‏.‏ حاصلها أن السكران وضع على ركبته جمرة حتى طفئت وهو لا يلتفت إليها حتى أفاق فوجد الألم‏.‏ قال‏:‏ وإذا كان كذلك فلا يفيد الحد فائدته إلا حال الصحو، وتأخير الحد لعذر جائز ا هـ‏.‏ وحينئذ فلا يلزم من أن الإمام لو أخطأ فحده قبل صحوه أن يسقط الواجب عليه من إقامة الحد بعد الصحو‏.‏ ولا يرد أنه لو قطع يسار السارق لا تقطع يمينه أيضا للفرق الواضح، فإن الانزجار حاصل باليسار أيضا وإن كان الواجب قطع اليمين ولأنه لو قطعت اليمين أيضا يلزم تفويت المنفعة من كل وجه وذلك إهلاك، ولذا لا يقطع لو كانت يسراه مقطوعة أو إبهامها ‏(‏قوله إذا أخذ الشارب‏)‏ شرط تقدم دليل جوابه وهو قوله يحد مسلم إلخ وضمير أخذ يعود عليه وهو المراد بالشارب، والمراد أخذه إلى الحاكم ‏(‏قوله وريح ما شرب إلخ‏)‏ قال في الفتح‏:‏ فالشهادة بكل منهما‏:‏ أي من شرب الخمر والسكر من غيره مقيدة بوجود الرائحة، فلا بد مع شهادتهما بالشرب أن يثبت عند الحاكم أن الريح قائم حال الشهادة وهو بأن يشهدا به وبالشرب أو يشهدا به فقط فيأمر القاضي باستنكاهه فيستنكه ويخبر بأن ريحها موجود‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وهو مؤنث سماعي‏)‏ الأولى وهي لعوده إلى الريح ولكنه ذكر ضميرها لتذكير الخبر، والمؤنث السماعي هو ما لم يقترن لفظه بعلامة تأنيث ولكنه سمع مؤنثا بالإسناد إن كان رباعيا كهذه العقرب قتلتها، وبه أو بالتصغير إن كان ثلاثيا كعيينة في تصغير عين هذه النار أضرمتها وذلك في ألفاظ محصورة‏.‏ ‏(‏قوله لبعد المسافة‏)‏ أفاد أن زوالها لمعالجة دواء لا يمنع الحد كما في حاشية مسكين معزيا إلى المحيط ‏(‏قوله ولا يثبت الشرب بها‏)‏؛ لأنها قد تكون من غيره كما قيل‏:‏ يقولون لي انكه قد شربت مدامة فقلت لهم لا بل أكلت السفرجلا وانكه بوزن امنع ونكه من بابه‏:‏ أي أظهر رائحة فمك فتح ‏(‏قوله بالرائحة‏)‏ بدل من قوله بها ‏(‏قوله ولا بتقايئها‏)‏ مصدر تقيأ‏.‏ ا هـ‏.‏ ح لاحتمال أنه شربها مكرها أو مضطرا فلا يجب الحد بالشك، وأشار إلى أنه لو وجد سكران لا يحد من غير إقرار ولا بينة لاحتمال ما ذكرنا أو أنه سكر من المباح بحر، لكنه يعزر بمجرد الريح أو السكر كما في القهستاني ‏(‏قوله رجلين‏)‏ احتراز عن رجل وامرأتين؛ لأن الحدود لا تثبت بشهادة النساء للشبهة كما في البحر ‏(‏قوله يسألهما الإمام‏)‏ أشار إلى ما في البحر عن القنية من أنه ليس لقاضي الرستاق أو فقيهه أو المتفقهة أو أئمة المساجد إقامة حد الشرب إلا بتولية الإمام ‏(‏قوله عن ماهيتها‏)‏ لاحتمال اعتقادهم أن باقي الأشربة خمر ‏(‏قوله لاحتمال الإكراه‏)‏ لكن لو قال أكرهت لا يقبل؛ لأنهم شهدوا عليه بالشرب طائعا وإلا لم تقبل شهادتهم، وتمامه في البحر ‏(‏قوله لاحتمال التقادم‏)‏ هذا مبني على قول محمد بأن التقادم مقدر بالزمان وهو شهر، وإلا فالشرط عندهما أن يؤخذ والريح موجودة كما مر أفاده في البحر، فالتقادم عندهما مقدر بزوال الرائحة وهو المعتمد كما مر في الباب السابق‏.‏ والحاصل أن التقادم يمنع قبول الشهادة اتفاقا، وكذا يمنع الإقرار عندهما لا عند محمد‏.‏ ورجح في غاية البيان قوله وفي الفتح أنه الصحيح‏.‏ قال في البحر‏:‏ والحاصل أن المذهب قولهما إلا أن قول محمد أرجح من جهة المعنى‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله من السكر‏)‏ بفتح السين والكاف‏:‏ وهو عصير الرطب إذا اشتد، وقيل كل شراب أسكر عناية‏.‏ قلت‏:‏ وهذا ظاهر على قولهما أنه لا يحد بالسكر من الأشربة المباحة، وكذا على قول محمد أنه يحد لعدم توافق الشاهدين على المشروب، كما لو شهد اثنان أنه زنى بفلانة واثنان أنه زنى بفلانة غيرها تأمل ‏(‏قوله ظهيرية‏)‏ ومثله في كافي الحاكم ‏(‏قوله أو بإقراره‏)‏ عطف على قوله بشهادة رجلين، وقدر الشارح يثبت لطول الفصل‏.‏ قال في البحر‏:‏ وفي حصره الثبوت في البينة والإقرار دليل على أن من يوجد في بيته الخمر وهو فاسق أو يوجد القوم مجتمعين عليها ولم يرهم أحد شربوها لا يحدون وإنما يعزرون، وكذا الرجل معه ركوة من الخمر ا هـ‏.‏ بل تقدم أنه لو وجد سكران لا يحد بلا بينة أو إقرار بل يعزر ‏(‏قوله مرة‏)‏ رد لقول أبي يوسف إنه لا بد من إقراره مرتين بحر‏.‏ ولم يتعرض لسؤال القاضي المقر عن الخمر ما هي‏؟‏ وكيف شربها‏؟‏ وأين شرب‏؟‏ وينبغي ذلك كما في الشهادة ولكن في قول المصنف وعلم شربه طوعا إشارة إلى ذلك شرنبلالية تأمل ‏(‏قوله متعلق بيحد‏)‏ أي تعلقا معنويا لأنه مفعول مطلق عامله يحد ‏(‏قوله كما مر‏)‏ فلا يضرب الرأس والوجه، ويضرب بسوط لا ثمرة له، وينزع عنه ثيابه في المشهور إلا الإزار احترازا عن كشف العورة بحر وفي شرح الوهابية‏:‏ والمرأة تحد في ثيابها

‏(‏قوله فلو أقر سكران‏)‏ أي أقر على نفسه بالحدود الخالصة حقا لله تعالى كحد الزنا والشرب والسرقة لا يحد إلا أنه يضمن المسروق، بخلاف حد القذف؛ لأن فيه حق العبد، والسكران كالصاحي فيما فيه حقوق العباد عقوبة له؛ لأنه أدخل الآفة على نفسه، فإذا أقر بالقذف سكران حبس حتى يصحو فيحد للقذف ثم يحبس حتى يخف عنه الضرب فيحد للسكر، وينبغي أن يقيد حده للسكر بما إذا شهدا عليه به وإلا فبمجرد سكره لا يحد لإقراره بالسكر، وكذا يؤخذ بالإقرار بسبب القصاص وسائر الحقوق من المال والطلاق والعتاق وغيرها فتح ملخصا، وقوله عقوبة له إلخ يدل على أنه لو سكر مكرها أو مضطرا لا يؤاخذ بحقوق العباد أيضا ‏(‏قوله أو أقر كذلك‏)‏ أي بعد زوال ريحها، وهذا على قولهما إن التقادم يبطل الإقرار وإنه مقدر بزوال الرائحة ‏(‏قوله فيعمل الرجوع فيه‏)‏ لاحتمال صدقه وأنه كاذب في إقراره‏.‏ وإذا أقر وهو سكران يزيد احتمال الكذب فيدرأ عنه الحد أيضا ‏(‏قوله ثم ثبوته إلخ‏)‏ هذا بيان لدليلهما على اشتراط قيام الرائحة وقت الإقرار، فعند عدم قيامها ينتفي الحد لعدم ما يدل عليه؛ لأن الإجماع لم يكمل إلا بقول من اشترط قيامها، لكن قدمنا تصحيح قول محمد بعدم الاشتراط وبيانه في الفتح

‏(‏قوله والسكران إلخ‏)‏ بيان لحقيقة السكر الذي هو شرط لوجوب الحد في شرب ما سوى الخمر من الأشربة، ولما كان السكر متفاوتا اشترط الإمام أقصاه درءا للحد، وذلك بأن لا يميز بين شيء وشيء؛ لأن ما دون ذلك لا يعرى عن شبهة الصحو، نعم وافقهما الإمام في حق حرمة القدر المسكر من الأشربة المباحة فاعتبر فيها اختلاط الكلام، وهذا معنى قوله في الهداية‏:‏ والمعتبر في القدر المسكر في حق الحرمة ما قالاه إجماعا أخذا بالاحتياط ا هـ‏.‏‏:‏ وذكر في الفتح أنه ينبغي أن يكون قوله كقولهما أيضا في السكر الذي لا يصح ردته فيما دونه مع أنه يجب للحدود، وكذا في الذي لا تصح معه الردة، إذ لو اعتبر فيه أقصاه لزم أن تصح ردته فيما دونه مع أنه يجب أن يحتاط في عدم تكفير المسلم، والإمام إنما اعتبر أقصى السكر للاحتياط في درء السكر واعتبار الأقصى هنا خلاف الاحتياط، هذا حاصل ما في الفتح‏.‏ قلت‏:‏ لكن ينبغي أن تصح ردته فيما دون الأقصى بالنسبة إلى فسخ النكاح؛ لأن فيه حق العبد، وفيه العمل بالاحتياط أيضا كما لا يخفى ‏(‏قوله ولو ارتد السكران لم يصح‏)‏ أي لم يصح ارتداده‏:‏ أي لم يحكم به‏.‏ قال في الفتح‏:‏؛ لأن الكفر من باب الاعتقاد أو الاستخفاف، ولا اعتقاد للسكران ولا استخفاف؛ لأنهما فرع قيام الإدراك‏.‏ وهذا في حق الحكم، أما فيما بينه وبين الله تعالى، فإن كان في الواقع قصد أن يتكلم به ذاكرا لمعناه كفر وإلا لا‏.‏ ا هـ‏.‏ وقد علمت آنفا ما المراد بالسكر هنا ‏(‏قوله فلا تحرم عرسه‏)‏ أي بسبب الردة في حالة السكر، أما لو طلقها فإنه يقع كما يأتي بيانه ‏(‏قوله وهذه إلخ‏)‏ يعني أن حكم السكران من محرم كالصاحي إلا في سبع‏:‏ لا تصح ردته ولا إقراره بالحدود الخالصة، ولا إشهاده على شهادة نفسه، ولا تزويجه الصغير بأكثر من مهر المثل أو الصغيرة بأقل، ولا تطليقه زوجة من وكله بتطليقها حين صحوه، ولا بيعه متاع من وكله بالبيع صاحيا، ولا رد الغاصب عليه ما غصبه منه قبل سكره، هذا حاصل ما في الأشباه‏:‏ ونازعه محشية الحموي في الأخيرة بأن المنقول في العمادية أن حكم السكران فيها كالصاحي، فيبرأ الغاصب من الضمان بالرد عليه، وفي مسألة الوكالة بالتطليق بأن الصحيح الوقوع نص عليه في الخانية والبحر‏.‏ ا هـ‏.‏ وقد قدمناه أول كتاب الطلاق، وكتبنا هناك عن التحرير أن السكران إن كان سكره بطريق محرم لا يبطل تكليفه، فتلزمه الأحكام، وتصح عباراته من الطلاق والعتاق والبيع والإقرار، وتزويج الصغار من كفء والإقراض والاستقراض؛ لأن العقل قائم، وإنما عرض فوات فهم الخطاب بمعصيته فبقي في حق الإثم ووجوب القضاء، ويصح إسلامه كالمكره لا ردته لعدم القصد ا هـ‏.‏ وقدم الشارح هناك أنه اختلف التصحيح في طلاق من سكر مكرها أو مضطرا وقدمنا هناك أن الراجح عدم الوقوع، وقدمنا آنفا عن الفتح أنه كالصاحي فيما فيه حقوق العباد عقوبة له‏.‏

مطلب في البنج والأفيون والحشيشة

‏(‏قوله لكن دون حرمة الخمر‏)‏؛ لأن حرمة الخمر قطعية يكفر منكرها بخلاف هذه ‏(‏قوله لا يحد بل يعزر‏)‏ أي بما دون الحد كما في الدر المنتقى عن المنح، لكن فيه أيضا عن القهستاني عن متن البزدوي أنه يحد بالسكر من البنج في زماننا على المفتى به ا هـ‏.‏ تأمل‏.‏ قال في المنح‏:‏ وفي الجواهر‏:‏ ولو سكر من البنج وطلق تطلق زجرا وعليه الفتوى ا هـ‏.‏ وقد تقدم عن قاضي خان تصحيح عدم الوقوع فليتأمل عند الفتوى‏.‏ ا هـ‏.‏ وتقدم أول الطلاق عن تصحيح العلامة قاسم أنه إذا سكر من البنج والأفيون يقع زجرا وعليه الفتوى وقدمنا هناك عن النهر أنه صرح في البدائع وغيرها بعدم الوقوع؛ لأنه لم يزل عقله بسبب هو معصية‏.‏ والحق التفصيل‏:‏ إن كان للتداوي فكذلك وإن للهو وإدخال الآفة قصدا فينبغي أن لا يتردد في الوقوع‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ويدل للأول تعليل البدائع، وللثاني تعليل العلامة قاسم‏.‏ وقدمنا هناك أيضا عن الفتح أن مشايخ المذهبين من الحنفية والشافعية اتفقوا على وقوع طلاق من غاب عقله بالحشيشة وهي ورق القنب بعد أن اختلفوا فيها قبل أن يظهر أمرها من الفساد ‏(‏قوله أن البنج مباح‏)‏ قيل هذا عندهما‏.‏ وعند محمد ما أسكر كثيره فقليله حرام وعليه الفتوى كما يأتي‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ المراد بما أسكر كثيره إلخ من الأشربة، وبه عبر بعضهم وإلا لزم تحريم القليل من كل جامد إذا كان كثيره مسكرا كالزعفران والعنبر، ولم أر من قال بحرمتها، حتى إن الشافعية القائلين بلزوم الحد بالقليل مما أسكر كثيره خصوه بالمائع، وأيضا لو كان قليل البنج أو الزعفران حراما عند محمد لزم كونه نجسا؛ لأنه قال ما أسكر كثيره فإن قليله حرام نجس، ولم يقل أحد بنجاسة البنج ونحوه‏.‏ وفي كافي الحاكم من الأشربة‏:‏ ألا ترى أن البنج لا بأس بتداويه، وإذا أراد أن يذهب عقله لا ينبغي أن يفعل ذلك‏.‏ ا هـ‏.‏ وبه علم أن المراد الأشربة المائعة، وأن البنج ونحوه من الجامدات إنما يحرم إذا أراد به السكر وهو الكثير منه، دون القليل المراد به التداوي ونحوه كالتطيب بالعنبر وجوزة الطيب، ونظير ذلك ما كان سميا قتالا كالمحمودة وهي السقمونيا ونحوها من الأدوية السمية فإن استعمال القليل منها جائز، بخلاف القدر المضر فإنه يحرم، فافهم واغتنم هذا التحرير ‏(‏قوله؛ لأنه حشيش‏)‏ لا معنى لهذا التعليل، وليس في عبارة العناية‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏.‏ قلت‏:‏ وكذا ليس هو في عبارة النهر ويمكن الجواب بأنه إشارة إلى ما قلناه، فالمراد التعليل بأنه من الجامدات لا من المائعات التي فيها الخلاف في أن قليلها حرام أو لا فافهم

‏(‏قوله أقيم عليه بعض الحد‏)‏ أي حد الزنا أو السرقة أو الشرب كما في الكافي‏.‏ قلت‏:‏ وأما حد القذف ففيه تفصيل سيأتي في آخر الباب الآتي ‏(‏قوله ثم أخذ إلخ‏)‏ أقحم الشارح هذه المسألة بين كلامي المصنف إشارة إلى أن استئناف الحد للشرب الثاني لا يتقيد بما إذا أقيم عليه بعض الحد، فحول العبارة عن أصلها وكملها بما يناسبها وأتى بلو في قوله ولو شرب إلخ ليجعله مسألة مستأنفة‏.‏ ولا يخفى ما فيه من حسن الصناعة ‏(‏قوله لما مر إلخ‏)‏ أي في أثناء الباب السابق‏:‏ وقال في الهداية هناك‏:‏ إن التقادم كما يمنع قبول الشهادة في الابتداء يمنع الإقامة بعد القضاء، حتى لو هرب بعد ما ضرب بعض الحد ثم أخذ بعد ما تقادم الزمان لم يحد؛ لأن الإمضاء من القضاء في باب الحدود‏.‏ قلت‏:‏ لكن هذا ظاهر في حد الزنا والسرقة، فإن التقادم مقدر فيهما بشهر كما مر، أما في حد الشرب فإنه مقدر عندهما بزوال الرائحة‏.‏ وعند محمد بشهر أيضا والمعتمد قولهما كما مر وقيام الرائحة إنما يشترط عند الإقرار أو عند الرفع إلى الحاكم إلا لبعد المسافة، ولا يحد إلا بعد الصحو كما مر، ولم يشترطوا قيام الرائحة عند إقامة الحد بل الصحو مظنة زوالها، فإذا كان عدم إكمال الحد بسبب زوال الرائحة على قولهما يلزم أن لا يقام الحد إلا مع قيام الرائحة ولم نر من قال بذلك‏.‏ فالظاهر أن هذا تفريع على قول محمد فقط، ولا يصح أن يقال إنه مفرع على قولهما أيضا بأن تفرض المسألة فيما إذا أقر بالشرب فهرب؛ لأن التقادم يبطل الإقرار عندهما كما تقدم لرجوع المحذور، فإنه يلزم عليه أن المقر لا يحد إلا إذا بقيت الرائحة موجودة وإن لم يرجع عن إقراره الصادر عند قيام الرائحة، وأيضا فالهرب رجوع عن الإقرار فلا حاجة معه إلى التقادم، هذا ما ظهر لي فتأمل‏.‏ه

‏(‏قوله ولو شرب أو زنى ثانيا‏)‏ أي قبل إكمال الحد كما هو صورة المتن أو قبل إقامة شيء منه‏.‏ ففي الصورتين يحد حدا كاملا بعد الفعل الأخير، ويدخل ما بقي من الأول في الثاني، بخلاف ما إذا أقيم عليه حد الشرب فشرب ثانيا أو حد الزنا فزنى ثانيا فإنه يحد للثاني حدا آخر، وبخلاف ما إذا اختلف الجنس وسيجيء تمام الكلام على ذلك في باب القذف‏.‏

‏(‏قوله وإلا لا‏)‏ أي لا يضمن؛ لأن فعلها غير مضاف إليه ‏(‏قوله مصنف عمادية‏)‏ أي نقله المصنف عن العمادية ح‏.‏